ثورة 19 وأهالي قرية الوليدية
اشتـعلت وانطلقت الثورة المصرية في سنة 1919 فجأة دون إنذار ، في كل مكان مرة واحدة ، في طول البلاد وعرضها ، من الإسكندرية إلى أسوان وروع الناس من وقع المفاجأة ، وتعطلت المواصلات ، وتقطعت السكك الحديدية ، وتوقفت الأعمال في كل مكان ، وشغل الناس بحرب الإنجليز قبل كل شئ .
كان الإنجليز يحتلون المنطقة الواقعة حول خزان أسيوط (المواجه لقرية الوليدية ويعسكرون في المنتزه وفى المدرسة الثانوية .
وقرية الوليدية كانت في الماضي قبل ثورة 19 ةقبل بناء القناطر تقع موقع النهر والقناطر وكانت بني مرة منطقة تجاور الوليدية مباشر ـ والوليدية اول من قطن بها قبيلة الخطبه أو الخطباء كما ذكرتهم المشجرات وكتب الانساب إلى سيدنا عقيل بن أبي طالب بن عبدالمطلب أخو سيدنا الامام علي بن ابي طالب رضي الله تعالى عنه
ومن احفاده سيدنا عبدالله بن محمد بن عقيل الامير شمس الدين الذي اعقب الامير سعد الدين الذي اعقب اثنين هما الامير علم الدين الخطيب والامير علاء الدين الخطيب اجداد السادة الخطبه في الصعيد،والامير علم الدين والامير علاء الدين نزلا في مدينة اسنا بالصعيد ودفنا في ضريحهما المعروف في المسجد العتيق في مدينة اسنا على البحر قرب البربي باسنا وقد زرت هذا المقام اكثر من مرة
ثم انتشرت ذرية الاميرعلم الدين وعلاء الدين في ارجاء الصعيد ومن الأماكن الموجود بها قبيلة الخطباء اليوم ،ونشبت المعركة بين أهالي الوليدية والإنجليز ، وبدأت بإطلاق النيران على معسكراتهم الواقعة في غرب الخزان ، وتحصن الإنجليز في المدرسة الثانوية ، ووضعوا خير قواتهم عند الخزان ، وتحصـنوا وراء الأحجار المعدة لتدعيم الخزان .
وكان الأهالي يرابطون في قرية الوليدية المجاورة للمدرسة والقريبة من الخزان ، على مبعدة أمتار منهم فقط ، وأخذوا يصلونهم بالنار، ويطلقون بمقدار ، لأنهم يعرفون أن المعركة ستطول ، وهم في حاجة إلى الذخيرة والرجال المدربين على القتال ، وأرسلت إليها القرى المجاورة أحسن رجالها الشجعان ، وأتى إليها الرجال من كل صوب على ظهر المراكب الشراعية الصغيرة والكبيرة .
وحارب الرجال كما يحارب الثوار من غير نظام ولا قيادة ، فكانوا يحاربون بفراسة الرجال الشجعان ، وفعلوا كل ما يفعله القائد المدرب في الحـرب ، وما يفعله المحـاربون في الميدان ، فحاصروا المعسكر من الشمال والجنوب ، ورابطوا في النهر ، وقطعوا عنهم المدد عن طريق السكة الحديد ومن كل طريق ، وفكروا في قطع الخط الحديدي عند قرية "منقباد" .
وفى قرية صغيرة على الضفة الشرقية للنيل ، اجتمع أكثر من خمسمائة رجل من مختلف القرى ، مسلحين بالبنادق القديمة والحديثة والخناجر والعصي والحراب ومعهم خيولهم وجمالهم وحميرهم ، وأكثرهم من الرجال الشجعان الذين يقطنون في الجبل الشرقي ، وكانوا يرتدون الجلابيب السمراء والزرقاء ، ويعصبون رؤسهم ويتمنطقون بالأحزمة الجلدية المليئة بالرصاص والخرطوش . ونحرت الذبائح ، وقـدم الطعـام ، وتعشـوا على الطـبالى 00 خمسة .. خمسة ، وكانوا يتحدثون في حماسة بالغة وهم يلتهمون الطعام ، وعيونهم تبرق ، ويمسحون أفواههم بأطراف أكمامهم . وعندما وقف واحد من الطلاب يتحدث عن الاستعمار والبـلاء الأسود النازل بالبلاد ، كانوا ينصتون في سكون وعيونهم تلمع ووجوههم منفعلة من فرط الغضب ، ثم أخذوا يعمرون البنادق ويشحذون الأسلحة .
وفى أخريات الليل والظلام شاملا ، والسكون رهيبا ، عبر الرجال النيل إلى الضفة الغربية ، وهناك انقسموا إلى فرق صغيرة ، اتجه بعضها إلى الخزان ، وذهبت فرقة مكونة من ثمانية عشر رجلا من الرجال الأشداء إلى "منقباد" لتقطع الشريط الحديدي ، وسارت حذاء النيل على الرمال الناعمة .
ويقول الراوى وهو يصـف تلك المهـمة في قصـة "حدث ذات ليلة ": "ثم انحرفنا عن الطريق السوى ، وسرناوسط الحقول مع نهاية قرية الوليدية ، وكانت السماء كابية ، والريح تزار في أخصاص "البوص" التى مررنا بها ، ولما صعدنا المنحدر ، واقتربنا من الخط الحديدي ، بدا صوت اقدامنا يسمع بوضوح في هذا السكون العميق وتقدمنا في قلب الليل ، ولما بلغنا الجسر كان الشريط يلمع ملتويا في الظلام ، وكانت أعمدة البرق وأسلاك التليفون تهتز والريح تصفر في جنبات الوادى المقفر ، وعندما أخذت أرجلنا تضرب على الزلط الذى يتخلل القضبان ، شعرت بعظم المهمة الملقاة على عاتقى ، وانتابتنى الرهبة ، وأخذت المكان بنظرة خاطفة ، وأعطيت الإشارة للرجال ، وبدأت المعاول تعمل وبعد قليل فرغنا من مهمتنا وقفلنا راجعين ، وتفرقنا في قلب الليل كالذئاب بعد أن تنفض مخالبها من الفريسة".
ولما شعر الإنجليز بأن الثورة انتقلت من أسيوط إلى الشـرق وأن العرب تحركوا من هناك لقتالهم ، نصبوا المدافع الرشاشة على الخزان ، وفتحوا الطبلية ، حتى يقطعوا الصلة بين الشرق والغرب ويمنعوا المدد . ولما رأى الثوار من عرب الشرق ، الذين يقاتلون منذ بدأت المعركة في قرية " الوليدية " المدافع الرشاشة منصوبة على الخزان ، والكمين الذى أعده الإنجليز ليحصدوا به كل من اقترب من الهويس ، إجتمع قواد المعركة ، وقرروا ان تهاجم فرقة من خيـار الرجـال المسـلحين بأحدث أنواع الأسلحة الموقع من كل الجهات ، ويتسلل قبل الهجوم خمسة من الفدائيين إلى الموقع من الخلف ويتسلقون السـور في غلـس الليل ، وقبل الفجر يعطون إشارة الهجوم باطلاق أول طلقة . وبدأ القتال واشتد ، ولكن لم يسكت مدفع واحد من المدافـع الثلاثة ، كانت محصنة تحصينا منيعا بالأحجار وأكياس الرمل ، وبعيدة عن مرمى المقاتلين من الثوار .
وسقط سبعة من الرجال المهاجمين ، وحوصـر الذين تسـللوا من الخلف ، وساءت الأحوال عندما علم المصريون أن رشوان (وهو من أهالي الوليدية) قائد من قواد الثوار ، قتل في المعركة ، وتوقف الهجوم في الغروب . وغير الثوار من طريقة الهجـوم ، فتسللت فرقة في الليـل من بين الحجارة ، وأصبحت قريبة من الموقع ، وتقدمت أخرى نحو الهويس ، وكمن الآخرون فوق النخيل على بعد أمتار منهم .
وطوقـت داورية انجـليزية أبناء قرية الوليدية الذين تقـدموا الصـفوف وحاصرتهم ، وأطلقت النـيران من فوق النخيـل على الداورية تحصد رجالها ، ثم تتجه إلى المدافع المنصوبة على الخزان فتسكتها ، وكـانوا على وشك إبادتهم جميعا ، ورفع العـلم الأبيض على الهويس ، وأدير الكوبرى ، ومرت الجمـوع تقرع الطبـول ، وتقدم الثوار بالمراكب وبالبنادق والحراب من البر الشرقي وبالخيول المسرجة وعليها الفرسان تجرى في اتجاه الريح .
وفى أثناء انتصارهم الباهر ، ظهرت في اليـوم الخامس طيارة في السماء قادمة من القاهرة ، ولم يكن لهم بها عهد ، ولا يعرفون عنها شيئا ، وأخـذت تغير فوق رؤوسهم ، وتلـقى القنـابل على غـير هـدف ، فتغير الموقـف ، وذعر النـاس ، وحمـلوا بنادقـهم في أيـديهم ، وتفرقوا ، وطاروا على وجوههم في الأرض ، وأخذت المراكـب الشراعية التابعة لقرية الوليدية تعود بالمحاربين إلى ديارهم ، وكان الوجوم والتعاسة والخيبة المرة مرتسمة على الوجـوه ، وكانوا وهم الشبان الأشـداء يغلون غيـظا ولا يدرون علة هزيمتهم ، لقد بدأوا المعركة كجنود من الطراز الأول ، وعندما كفوا عن النار ، خيل إليهم أنهم قد انتهوا ، ولكنهم لم يلقوا السلاح .
وخمدت الثورة في القاهرة ، وأرسـل الإنجليز فرقـة جديـدة إلى أسيوط ، رابطت عند الخزان امام قرية الوليدية في حديقة كبيرة هناك ، وانطلقوا يفتشون القرى في الشرق باحثين عن الأسلحة ورجال الثورة ، وكانوا يخرجون من معسكراتهم في الليل سكارى ويشتبكون في عراك مع الأهالي . وفى الطريق المنحـدر إلى النيـل ومنـه تنـزل الفـلاحات لملء جرارهن ، عابث بعض الجنود النساء الخارجات من المـاء ، وطـارت النسـوة مذعـورات وتركن الجـرار تسقط وتتهـشم ، وأمسـك واحـدا منـهم بواحـدة من يدهـا وهـم بتقبـيلها وهى تصـرخ وتستغيث .
وتجمع الأهالي واشتبكوا في عراك دموى مع الإنجليز ، وأخرج أحد الجنود مسدسا وأخذ يطلق النار كالمجنون ، وكان أهالي قرية الوليدية عزلا من السلاح ، وجاءت طلقة أصابت الجندى وسقط .
وأطلق الإنجليز النار في كل اتجاه ، وفرغت الشوارع من المارة بعد دقيقة واحده ، وأخذ الظلام يشتد ، وخيم سكون القبور على كل شىء .
(محمد سيد الخطيب)
المراجع : محمود البدوى عن ثورة 1919 في أسيوط:
1- الشيخ عمران … نشرت بصحيـفة أخبار اليوم7|12|1946 وأعيد نشرها بمجموعة العربة الأخيرة
2- حـدث ذات ليـلة … نشـرت بمجـلة قصـص للجميــع 14|11|1950 وأعيد نشرها بمجموعة حدث ذات ليلة
3- حفلة زفاف .. . نشـرت بمجــلة الجيــل 10|1|1955 وأعيد نشرها بمجموعة الجمال الحزين
4- البـطل … نشـرت بصحيــفة الجمــهورية 2|5|1955 وأعيد نشرها بمجموعة الغزال في المصيدة
5- حـادث في القرية …نشـرت بمجـلة الجيـل 12|3|1956 وأعيد نشرها بمجموعة الغزال في المصيدة
6- الرجـل الاشول … نشرت بصحيفة الشـعب 19|8|1956 وأعيد نشرها بمجموعة الزلةالاولى
7- الرجـال … نشـرت بصحيــفة الشــعب 2|9|1956 وأعيد نشرها بمجموعة الغزال في المصيدة
8 - النـور …نشـرت بصحيــفة الشــعب 13|12|1956 وأعيد نشرها بمجموعة قصص قصيرة
9- الطلقـة الأخيرة …نشـرت بصحيـفة المساء 2|10|1959 وأعيد نشرها بمجموعة ليلة في الطريق
10- الجواد والفـارس … نشرت بمجلة المجلة ـ عدد مارس 1971
11- الرجل الصامت … نشـرت بمجـلة الثـقافة – مارس 1976 وأعيد نشرها بمجموعة عودةالابن الضال
9%84%D8%A7%D9%84
الوليدية،الوليدية،الوليديةالوليدية الوليدية الوليدية الوليدية
(سيد سعد الخطيب)