بكر وايل (قبيله)
Bakr bin Wael tribe - Tribu Bakr bin Wael
بكر بن وائل (قبيلة ـ)
تنتمي قبيلة بَكْر بن وائل إلى جِذم ربيعة بن نزار بن مَعَدّ بن عدنان، وهي من أعظم قبائل ربيعة وأكثرها عدداً وبطوناً.
ويتفرّع من ربيعة فرعان كبيران هما: أسد وضُبيعة، ومن أسد تتفرّع قبائل كثيرة ترجع كلها إلى أصول ثلاثة: جَديلة، وعَنَزة، وعَميرة. وأشهر القبائل المتفرّعة من جديلة بنو وائل ابن قاسط بن هِنْب بن أَفْصى بن دُعْميّ بن جَديلة. وإلى وائل بن قاسط تنتمي قبائل ثلاث مشهورة هي: بكر، وتغلب، وعَنْز. فنسب بكر يأخذ المساق الآتي: بكر بن وائل بن قاسط بن هِنب بن أفصى بن دُعمي بن جَديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن مَعدّ بن عدنان.
وتتفرّع قبيلة بكر إلى قبيلتين هما: صَعْب بن عليّ ويَشكُر. ومن صعب بن عليّ تنحدر جل البطون البكرية ومنها: مالك ولُجَيم وعُكابة.
مواطنها
لم تنزل جميع القبائل المتفرعة من بكر بن وائل موطناً واحداً في الجاهلية، فكثرة عددها وتعدّد قبائلها وبطونها جعلاها تنتشر في مواطن متباعدة من بلاد العرب تمتدّ من نجد إلى العراق فأعالي بلاد الشام. وكانت قبائل ربيعة كلها ـ فيما يذكرون ـ تنزل في أول أمرها موطناً واحداً، فلمّا تكاثر عددها افترقت قبائلها وتباعدت منازلها.
وليس بين أيدينا ما يسعفنا في معرفة موطن كل قبيلة من قبائل بكر وبطونها في الجاهلية، فمن مواطن بكر في الجاهلية بلاد اليمامة وبلاد البحرين والعراق وبَوادي الجزيرة الشامية. وفي هذه الجزيرة موضعان، أحدهما يقال له ديار ربيعة، وكانت تنزله قبائل شتى من ربيعة وهو ـ فيما ذكر ياقوت ـ بين الموصل إلى رأس العين ونَصيبين ودُنَيسر والخابور وما بين ذلك من المدن والقرى، والثاني يعرف بديار بكر، وهي منطقة كبيرة واسعة حدَّها ما غرّب من دجلة إلى بلاد الجبل المطلّ على نَصيبين إلى دجلة وما حول هذه المواضع. ومن منازل ربيعة في الجاهلية رأس عين، وهي قرية بين حَرّان ونَصيبين ودُنَيسر وبقربها أحد منابع نهر الخابور. وقد حدثت في الجاهلية موقعة في رأس عين بين بكر بن وائل وتميم قُتل فيها فارسُ بكرٍ يومئذ معاويةُ بن فراس.
ومنذ ظهور الإسلام بدأت بعض قبائل بكر وبطونها تهاجر إلى الأمصار المحدثة في العراق وخُرَاسان، فإن قبائل ربيعة كانت تؤثر استيطان العراق على استيطان بلاد الشام. وقد نزلت بطون من بكر مدينة الكوفة لدى تمصيرها، ومن البيوت البكرية العريقة التي نزلتها آل ذي الجَدّين من ذُهْل بن شيبان، على أنه لم يكن لبكر كثرة عددية في الكوفة ولا يرد ذكرها في عداد الأسباع التي توزعت قبائل الكوفة إبّان ولاية سعد بن أبي وقّاص عليها. ولكن ورد ذكرها في عداد أسباع الكوفة أيام علي بن أبي طالب، إذ كان أحد أسباعها يضم قبيلتي بكر وتغلب وأفناء ربيعة.
أما في البصرة فكانت لبكر كثرة عددية فيها جعلتها تؤلِّف وحدَها خُمساً من أخماسها. وهذه الكثرة يفسّرها قرب منازلها في الجاهلية من البصرة.
وقد نزلت طوائف من بكر خُرَاسان، وكان عددها كبيراً فيها حتى بلغ عدد مقاتلتها في زمن ولاية قتيبة بن مسلم سبعة آلاف مقاتل.
أما بلاد الشام فلا نجد لبكر ذكراً في عداد القبائل التي هاجرت إليها، إلاّ الجزيرة الشامية التي استقرت فيها قبائل ربيعة منذ القديم (ديار ربيعة وديار بكر) وكانت مواطن ربيعة شرقي القبائل المضرية وأولها رأس العين، وكانت منازل بكر إلى الشرق من منازل تغلب التي استوطنت ما بين الخابور والفرات ودجلة.
ديانتها
كانت جلّ قبائل بكر على الوثنية في الجاهلية، والصنم الذي تعبّدَتْ له بكر وقبائل ربيعة عرف «بالمحرِّق»، وكانت سدنته أولاد الأسود من بني عجل، وكان موضعه بمكان يعرف بسَلمان، وهو من مياه بكر بن وائل فوق موضع الكوفة، وقد حدثت فيه وقعة لبكر على بني تميم. وقد جعلت ربيعة لمحرِّق في كل حيّ من أحيائها ولداً له. فاتَخذت عَنَزة ولداً لمحرِّق اسمه بَلْج، واتخذت عَميرة وعفيرة ولداً اسمه عمرو بن المحرِّق. ويذهب بعض المستشرقين إلى أنه سُمِّي محرّقاً لأن عُبّاده كانوا يقدمون إليه أحياناً بعض القرابين البشرية محروقةً.
وعبدت بكر بن وائل وتغلب صنماً اسمه أوال، وكانت بكر تفد إلى مكة لتحج وتطوف في الكعبة كغيرها من القبائل الوثنية.ولمّا دخلت النصرانية بلاد العرب اعتنقتها طوائف من قبيلة بكر ومنها بنو عِجل بن لُجَيم، كما اعتنقها جماعة من بني شيبان، ولمّا جاء الإسلام اعتنقته كثرة قبيلة بكر وبقيتْ قلة منها على النصرانية. وكانت بكر في جملة من ارتد عن الإسلام، ومنهم بنو حنيفة خاصة الذين تبعوا سيدهم مُسَيْلِمة الكذاب حين ادّعى النبوّة، وكان قد قدم على الرسولe في السنة العاشرة مع قومه، فلمّا عاد إلى دياره ادّعى النبوة وزعم أن الرسول أشركه في أمره، وقد انتهى أمره بالقتل وفاءت بكر إلى الإسلام في زمن أبي بكر.
أخبارها وأيامها في الجاهلية
ليس ثمة أخبار تعين على معرفة أخبار بكر قبل الإسلام على نحو واضح دقيق. وكانت بطون هذه القبيلة مستقرة في مواطن متباعدة فلم تكن لها مشاركة مجتمعة إبان الأحداث والحروب التي تعرضت لها في الجاهلية. وإلى ذلك فإن بطون هذه القبيلة كانت موضع تنازع بين جيرانها الفرس إلى الشرق من جانب وبين دولة التبابعة اليمنية والإمارات اليمنية في شمالي بلاد العرب من جانب آخر، فكانت تخضع لسلطان هؤلاء تارة ولسلطان أولئك تارة أخرى. وفي بعض الأحيان كانت تستقلّ بأمرها فلا تخضع لأيّ منهما.
وأقدم ما يذكره الأخباريون أنها كانت لدى استقرارها بالعراق تغزو مع قبائل أخرى حدود بلاد فارس. فلمّا تولّى سابور ذو الأكتاف الحكم (310- 379م) غزا قبائل العرب من تميم وبكر بن وائل وتغلب وعبد القيس فأفشى فيهم القتل فلم يَنْجُ منهم إلا القليل وأجلاهم عن المناطق المجاورة لبلاده وأنزل طائفة من بكر بن وائل كرَمان والأهواز، فلما أراد لِلْيانوس (جوليان) ملك الروم غزو سابور لحق به عدد جمّ من قبائل العرب ليقاتلوا سابور ويأخذوا بثأرهم منه لِما فعله بهم.
وقد اضْطُرت قبيلة بكر وبعض قبائل العرب الأخرى إلى الخضوع لسلطان ملوك الفرس زمناً. ويذكر الأخباريون أن عامل سابور على مضر وربيعة كان امرأ القيس بن عمرو بن عدي البدء اللخمي. فلمّا تُوفِّي جعل مكانه ابنه عَمْراً، ومنذ ذلك الحين دانت بكر لسلطان المناذرة اللّخميين، حلفاءِ الفرس.
وفي عهد المنذر بن ماء السماء اللخمي (506- 554م) وقعت الحرب بين بكر وملك كندة، وانتصرتْ بكرُ وحملت إلى المنذر مَنْ أَسَرَتْه من كندةَ فقتلَهم.
ثم وقعت الحرب بين حيي وائل بكر وتغلب وعرفت هذه الحرب بحرب البسوس، ومن المتعذر تحديد زمن هذه الحرب على وجه الدقة. ويحدد لويس شيخو في شعراء النصرانية تاريخ وفاة كليب بن ربيعة بعام 494م، ولكن من العسير التحقق من صحة هذا التاريخ وجُلّ ما يُطْمَأَنُ إليه أن هذه الحرب وقعت في زمن المنذر بن ماء السماء أو قبل زمنه بقليل. واستمرّت، فيما يذكرون، أربعين سنة. ومن أيامها: يوم عُنَيزة، ويوم واردات، ويوم القصيبات، ويوم قِضة. وقتل في هذه الحرب همّام أخو جسّاس. وكان على تغلب في هذه الحرب المهلهِل بن ربيعة الشاعر، أخو كليب. على أنه لم يقتل فيها من الرجال المعدودين إلاّ نفر يسير، على طول مدتها. ثم صار الحيَان إلى الموادعة، ولكن الهجرس بن كليب يثأر لأبيه بعد حين فيقتل جسّاساً، ويرجَح أن المنذر بن ماء السماء هو الذي أصلح بين الحيَين.
ومن الأيام الجاهلية التي شاركت فيها قبيلة بكر يوم الكُلاب الأوّل. وتذكر بعض الروايات أن الحارث بن عمرو المقصور بن حُجر الكندي مَلَك الحيرة في أيام قُباذ بن فيروز ملك الفرس (ت 531م) لدخوله في دين المزدكية الذي دعاه إليه قباذ بعد أن نفى المنذر بن ماء السماء عن الحيرة لامتناعه من اعتناق المزدكية. وقبل أن يُتَوفَّى الحارث فرّق ملكه بين بنيه فجعل ابنه شرحبيلاً على بكر بن وائل وبطون تميم، وجعل ابنه سلمة على تغلب والنمر بن قاسط وبني سعد بن زيد مناة بن تميم. فلمَا هلك الحارث تشتّت أمر بنيه ووقعت بينهم الحروب، ومنها يوم الكُلاب الأول بين شرحبيل بن الحارث ومن معه من قبائل العرب وأخيه سلمة ومَنْ والاه والتقوا في موضع يقال له الكُلاب وهو ماء بين البصرة والكوفة، ودارت الدائرة على شرحبيل وبكر بن وائل وقتل في الموقعة شرحبيل بن الحارث.
وبعد انقضاء يوم الكلاب الأول أخرجت تغلب سلمة بن الحارث من بينها فالتجأ إلى بكر بن وائل فملّكته أمرها، ولحقت تغلب بالمنذر بن ماء السماء، وكان قد انتهز فرصة النزاع بين شرحبيل وسلمة فعاد إلى الحيرة واستعاد ملكه، وذلك بعد موت قباذ سنة 531م فأرسل المنذر إلى بكر بن وائل يدعوهم إلى طاعته ويتوعّدهم، فأبَوا ذلك، فسار إليهم بجموعه فالتقَوا بأُوارة، وهو جبل لبني تميم، فانهزمت بكر وقتل منها بشر كثير، ثم قتل المنذر من أَسَرَه منهم.
ومن الوقائع التي خاضتها بكر في الجاهلية كذلك يوم الإياد، وقد انتصرت فيه قبيلة بني يربوع التميمية على بكر بن وائل. ومنها أيضاً يوم الغَبيط، وقد انتصر فيه بنو شيبان البكريون على بني يربوع. وكذلك انتصر بنو شيبان يقودهم بسطام بن قيس على بني يربوع مرة أخرى في يوم قُشاوة، وانتصروا مرة أخرى على بني تميم في يوم مُبايض، وانتصرت بكر كذلك على بني تميم في يوم الزُورَين.
على أن أعظم وقعة خاضتها قبيلة بكر كانت وقعة ذي قار[ر]، وذو قار ماء لبكر بن وائل قرب موضع الكوفة، وقد حدثت هذه الوقعة في زمن الرسولe، ويحدد بعض المستشرقين زمنها بين عامي 604و610م، دارت الدائرة على الفرس ومن معهم، وكان مما ساعد على هزيمتهم انصراف قبيلة إياد عنهم، وهذه الوقعة من أعظم وقائع العرب في الجاهلية.
مشاركتها في الفتوح الإسلامية ووقائعها في الإسلام
لم تكن قبيلة بكر تؤلف في الجاهلية كتلة قبلية واحدة لكثرة عددها وتعدد بطونها وتباعد منازلها، وكانت كل قبيلة منها تستقلّ بمواطنها ومياهها، وكان لكل منها رئيسها الذي تأتمر بأمره، وقلّما اجتمعت كلمة قبائلها كلها في الوقائع التي خاضتها أو دانت لسيّد واحد منها.
فلما جاء الإسلام وانطفأت نار حروب الردّة وهاجرت قبائل بكر إلى الأمصار فيمن هاجر من قبائل العرب أصبحت قبائلها تؤلف في كل مصر وحدة قبلية متماسكة، شأنها شأن سائر قبائل العرب الأخرى، فكانت يدها واحدة وصار لها في كل مِصْر سيّد تأتمر كلها بأمره. وبدافع العصبية القبلية أو العقيدة الدينية أو الانتماء السياسي شاركت بكر في طائفة من الأحداث والوقائع إبان العصر الإسلامي ـ الأموي ـ كما شاركت منذ عهد أبي بكر في الفتوح الإسلامية تحت لواء القادة الذين يعينهم الخليفة أو الوالي.
كانت أكثر القبائل البكرية والربعية تنزل العراق وخراسان، وكان لربيعة عامة مشاركة فعّالة في الفتوح التي كان ميدانها العراق وشرق البلاد الإسلامية.
ففي فتوح السواد وفارس شاركت قبائل من بكر تحت لواء خالد بن الوليد. فكان المثنى بن حارثة الشيباني على رأس قومه بني شيبان، وكان مذعور بن عديّ العجلي على رأس قومه بني عجل. ولماَ مضى خالد إلى الشام استخلف المثنّى بن حارثة على جيش المسلمين، وقد أبلى المثنى بلاء حميداً في قتال الأعاجم وفي الوقائع التي خاضها المسلمون قبل القادسية.
وكانت لبكر مشاركة في الأحداث القبلية التي جرت في العصر الأموي، وكانت تقف في الغالب في صف القبائل اليمنية لإضعاف شوكة القبائل المضرية القوية، فحالفت قبيلة الأزد على بني تميم يوم ثارت الأزد لمقتل سيدها مسعود بن عمرو العتكي، وكان رئيس بكر يومئذ مالك بن مسمع. وشاركت بكر كذلك تحت رئاسته في يوم الجفَرة بين أنصار بني أمية، وبكر منهم، وأنصار ابن الزبير. وكذلك كانت قبيلة بكر ممن جرفتهم الفتن القبلية بخراسان، فقاتلت عبد الله بن خازم السُلمي القيسي ومعه جل قبائل مضر. وكان رأس قبائل بكر وربيعة يومئذ سليمان بن مرثد، أحد بني قيس بن ثعلبة، ولكن ربيعة منيت بالهزيمة يومئذ وقتل سيدها ابن مرثد. وكانت قبيلة بكر مع قبائل العراق في فتنة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ثم فاءت إلى طاعة بني أمية بعد مقتله.
وإِبّان الفتن القبلية التي ثارت في أواخر العصر الأموي بخراسان وقفت قبيلة بكر إلى جانب حلفائها الأزد واليمانية في قتال القبائل المضرية.
خطباؤها وشعراؤها
ظهرت في قبيلة بكر طائفة من الخطباء والشعراء المشهورين في الجاهلية والإسلام. فمن خطبائها في الجاهلية هانئ بن قبيصة الشيباني، وخطبته يوم ذي قار مشهورة. ومن شعرائها في الجاهلية طرفَة بن العبد[ر] أحد أصحاب المعلقات، والحارث بن حِلّزة اليشكري[ر]، وهو كذلك من أصحاب المعلقات. والمرقّشان الأكبر عمرو بن سعد[ر]، وابن أخيه المرقَّش الأصغر[ر] ربيعة بن سفيان (أو ابن قيس)، وأعشى بكر ميمون بن قيس[ر]، والمنخّل اليشكري[ر] وعمرو بن قميئة. ويلاحظ كثرة الشعراء البكريين في الجاهلية وثلاثة منهم معدودون في أصحاب المعلقات.
أما في الإسلام فلم يبرز من بكر إلا قلة من الشعراء المشهورين، وأشهرهم أبو جِلدة اليشكري[ر]، وسُويد بن أبي كاهل اليشكري[ر]، وهو من مخضرمي الجاهلية والإسلام، والعُديل بن الفَرخ العجلي[ر]. ومن الرُّجَّاز المشهورين في الإسلام أبو النجم العِجلي[ر]، والأغلب بن جُشم العجلي[ر].
ومن خطباء بكر في الإسلام عِمران بن حِطّان الشيباني وكان خطيباً وشاعراً، ومؤرق العجلي، وعُبيدة بن هلال اليشكري.